يعيد كتاب غواية اللامعقول فحص العلاقة التى يختلط فيها اللون الأسود باللون الأبيض بين المثقفين والسياسات اليمينية فى عقد الثلاثينيات من القرن العشرين، وما يترتب على هذه العلاقة من دلالات للسياسة فى الوقت الحاضر.
قد يبعث على الراحة الظن بأن الفاشية كانت ظاهرة مناهضة للفكر، حسبما ذكر بعض الكتاب، وان جاذبيتها كانت مقصورة على المجرمين والبلطجية، ولكن ما نعرفه اليوم ينفى ذلك، فلقد كان عدد كبير من قادة الفكر الأوروبى يرفعون أصواتهم الصاخبة ابتغاء الانضمام إلى الزمرة السياسية الفاشية، من بعد ان انحدرت الديموقراطية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى والكساد الاقتصادى عام 1929، فبلغت دركا أسفل غير مسبوق.
وإذا عددنا الأدباء الفاشيين والمتعاطفين فلسفيا مع الفاشية، لم نشر إلا إلى قمة جبل الجليد الضخم الطافى فى الماء، فقائمتنا سوف تتضمن إرنست يونجر، وجوتفريد بن، ومارتن هايديجر، وكارل شميت،وروبير براسيلاك، وبيير دريولا روشيل، ولويس-فريدينان سيلين، وبول دى مان، وإزرا باوند، وجيوفانى جينتيله، وفيليبو مارينيتى، وجابرييل دانونزيو، ووليم بطلر ييتس، وويندام لويس.
كتاب غواية اللامعقول حرص إلى حد كبير على رصد أصول الفاشية في أقوال أصحاب العقائد المضادة للتنوير مثل يوسف دي ميستر ويوهان جورج هامان.
على عكس ما يظنه الكثيرون من أن الفاشية في أوروبا كانت مستندة في اكتساب شرعيتها إلى منطق القوة المادية فقط دون مساندة من فكر وكتابة، فإن عدداً كبيراً من قادة الفكر الأوروبي انضموا وتعاطفوا مع الفاشية السياسية بعد انحدار الديمقراطية عقب الحرب العالمية الأولى والكساد الاقتصادي عام 1929.
ويورد الكتاب عبارة جوبلز وزير الإعلام الألماني، بعد تولي هتلر السلطة بشهور قليلة، والتي قال فيها "ها نحن محونا عام 1789 من التاريخ"، فالفاشيون أنفسهم كانوا قد تجاوزوا الحد الفاصل ولم ينظروا إلى الخلف قط، فقد كانوا يعرفون أن نقطة اللاعودة قد لاحت في عصر الحرب الشاملة، فأصبح من المحال العودة إلى شرنقة النظام القديم المرتبط بالتقاليد، ومن ثم اختاروا محاربة قيم الثورة الفرنسية بوسائل ثورية: ألا وهي العنف والحرب والتعبئة العامة، وبذلك بدأوا إقامة رؤية بديلة للحداثة، وكان القصد منها أن تحل محل موقف الفلاسفة والدعاة السياسيين المناصرين لعام 1789.