أنْ تعاني ؛ ضمن هذا الشعور تدورُ رواية عطش للحب وتبتعد قليلاً لتعود لمساسِ أعمق مكامنه . أنْ يُحكى عن المُعاناة والحب والحياة وأجواء عائليّة محاطة ببيئة معيّنة ليسَ بالأمر المميّز كثيرًا ، ولكن أن تُروى بطريقة يوكيو ميشيما يُصبح الأمر أكثر عمقًا وتأثيرًا وسحرًا والأهم شاعريّة وإحساسًا . إن أردتُّ وصفَ هذه الرواية فسوف أُكثرُ من كلمة شعور وإحساس وعمق ، ففعلاً لم أتعرّف على كل تلك المعاني من الجانب “الأكثر تأثيرًا” إلا خلال عطش للحب ، فقد أُخذتُ بأجوائها وأحداثها بعد تجاوز خمسين صفحة وكم كان صعب الإبتعاد عنها ، حينها لم أعرِف لماذا إلا بعد أن اصبح بمقدروي التعرف أكثر على أجواء اليابان وشخصيات الرواية وأسلوب ميشيما ، وأدركتُ سبب ذلك ؛ قد كتب ميشيما ببساطة وعمق معًا ، فروى الاحداث بطريقة سلسة إلا أنّ العمق يُفاجئنا بالمقاطع الطويلة المؤثّرة والمدوّنة بطريقة تحليليّة فلسفيّة ولن أنسى الجُمل التي تظهر بغتة لتعلق في ذاكرتنا فورًا .
هنا سوف نقرأ كثيرًا عن الحبّ وليس كما يُقرأ-يُكتب عادة . إيتسوكو التي جابتْ الحياة خلال شُمول أقدارها والتي اجتمعت – كلّها – لتكون واقعة الحدوث على دُفعات فكانت تلك معاناتها وموتها الداخلي التي لم تهتمّ له البتة . إيتسوكو المرأة الشابة التي بدأت معاناتها مع زوجها ومن هنا تُستدرج معاني وأحداث الرواية ، نتعرّف على الحبّ الذي يستحيلُ أن يولد بين اثنيْن وإن وُجد رابط بينهما ، نتعرّفُ على الغيرة المفاجئة من موت الآخر ! أن يُتمنّى الموت لتجربته وربما لانه راحة – بنظر شخصية الرواية، ربّما تلوح لنا عدة معاني ومنها أنّ الحياة عبارة عن معاناة تتجدّد أو معاناة تتراكم لتصل عند حد معيّن فتنتقِل لنقطة أُخرى لتملؤها من جديد – كانت كذلك هي حياتها . أسئلة كثيرة ستخطُر ببالنا ونحنُ نقرأ ميشيما وعطش للحب ، وخاصةً عندما يُحكى بعمق عن الشعور بالحب من جانب واحد.. عن التبلّد الي يظهر من شدة المعاناة والأسى.. عن القوة التي تُستجمع في لحظة . حديثي البسيط لا معنى له بالتأكيد لأنها ستبدو أمور إعتياديّة ولكن ما إن تُقرأ بأسلوب يوكيو ميشيما فسوف يقع الإختلاف . لن أنسى أجواء الريف اليابانيّة الساحِرة ، أُخذتُ كثيرًا بأجوائها ( كلما أصل لوصفٍ ما.. أتذكّر صور قديمة من المسلسلات الكرتونية ) مجرد التخيل هذا كان شيئًا ساحرًا . سوف أتوقف هنا لكي أقول باختًصار أنّ رواية عطش الحب رواية رائعة ومؤثّرة جدًا ويوكيو ميشيما روائي رائع جدًا ، من أراد أن يقرأ العمق والبساطة والعالم الآخر والإحساس الداخلي والأسلوب الفلسفيّ فليقرأها دون تردد . وقد أصبحتْ هذه الرواية الساحرة ضمن الروايات التي أُفكّر بقراءتها مرة أُخرى .
-مراجعة قارئة
عطش للحب
ميشيما