main-logo

مكتبة مستقلة متخصصة في بيع كتب الأدب والفنون والفلسفة وعلم النفس وأدب الطفل.

تجربة الألم

لوبروتون

٦٨



الألم ليس استنساخا في الوعي لشرْخ عضوي، إنه يمزج الجسد بالمعنى. وهو جسْدنة للدلالة وبناءٌ لها. الألم لدى الفرد هو المواجهة بين واقعة جسدية وعالم من المعنى والقيم. والإحساس به ليس تسجيلا لتأثّر معين بقدر ما هو الصدى الداخلي لمُصاب واقعي أو رمزي. وفي الإحساس بالعالم، يكون الألم نفسه طريقة أخرى للتفكير فيه، وتغييره من المحسوس إلى المعقول. تحيل التجربة الإنسانية أولا إلى الدلالات التي بها يتم عيش العالم، لأن هذا الأخير لا يمنح نفسه بشكل آخر. ويكون التأثر العاطفي أول شيء في الإحساس بالألم، فهو يقيس حدته ونبرته. فكل ألم يكون وراء تحريك دلالة وتأثر عاطفي ما.


يبسط فريد الزاهي في الكلمة التي خصها لهذه الترجمة، مجموع الدوافع التي جعلته ينكب على نقل هذا الكتاب إلى اللغة العربية، مركزًا أهمها، في سعيه الحثيث، للإسهام في تبديد الشح والهزال، الذي يحيط باستقبال النصوص الكبرى، التي تهم الجسد واليومي على مستوى حقل العلوم الاجتماعية؛ إذ لا تولي هذه الأخيرة في العالم العربي «أهمية كبرى للجسد واليومي، مديرة الظهر للظواهر الفردية التي يعيشها الإنسان… فالعلوم الاجتماعية لا تختص فقط بالجمعي وإنما بالفردي، ولا أدل على ذلك من أن دوركايم رائد علم الاجتماع، قد خصص دراسة مرجعية مهمة عن ظاهرة الانتحار في بدايات القرن الماضي، وهي الظاهرة التي صارت تستشري بين الشباب، من مدة، في بلدان العالم العربي من غير أن يتم الاهتمام بها وبعللها وطبيعة ممارستها والألم الشخصي والاجتماعي الثاوي وراءها».

دافيد لوبروتون

يبرز دافيد لوبروتون، أن هذا المصنف هو امتداد إلى مصنفات سابقة، حين يؤكد قائلًا: «الكتاب امتداد لكتاب أنثروبولوجيا الألم (1995، أعيد طبعه سنة 2004م)، الذي ألحَّ بالأخص على البعد الاجتماعي والثقافي للألم. ومنذ الطبعة الأولى لذلك الكتاب، لم أكتفِ فقط بمتابعة تلك الأبحاث في سياق المرض أو الحوادث، إنما تابعت أيضًا الأبحاث الخاصة بالسلوك ذي المخاطر لدى الشباب والرياضة القصوى، والبودي آرت «فن الجسد» والطقوس المعاصرة لتعليق الجسد. إن هذه الأوجه المتعددة للألم توسع من فهمه بتبيان التنويعات الهائلة للإحساس به. ومن ثمة على القارئ إن أراد الإمساك بخيوط المعاني والدلالات المتشعبة، داخل هذا المصنف، أن يستحضر نتائج هذه الأبحاث. على امتداد مئتي صفحة، يطوف بنا دافيد لوبروتون، في رحلة ممتعة داخل عوالم الألم، انطلاقًا من أبعاده المادية، المتمثلة في المرض أو التعرض لحادثة، وصولًا إلى أبعاده الرمزية المتمثلة، في العذاب النفسي الذي يهدد هوية الفرد. مستنطقًا بذلك أنواع الألم القسرية والطوعية، وطرائق ووسائل تملك الألم وضبطه وترويضه. إذ يعالج تجربة الألم والطريقة التي يعاش بها ويُحَسّ بها من جانب الأفراد، ويحاول الاقتراب ما أمكن من الشخص ليحقق فهمًا دقيقًا حول الحياة الفردية المعيشة، وذلك بالاستناد إلى أدوات البحث الأنثروبولوجي.

يسعى لوبروتون للكشف عن مجموع التمفصلات، التي تسكن العلاقة القائمة بين الألم، والعذاب؛ إذ باستثناء الفصل الأول المعنون بـ: لا وجود لألم من غير عذاب، الذي صور فيه الألم كتجربة تقود إلى العذاب، كالذي يعيشه الشخص في أثناء المرض أو مخلفات الحوادث أو التعذيب، يصر لوبروتون على تصوير الألم، كضرورة وجودية تتعالى على العذاب لتحصيل اللذة وتحقيق الذات، والمتعة، والتفتح الذاتي، خصوصًا في فصول الكتاب الموالية التي جاءت عناوينها كما يلي: الألم والمعنى/ ألم ضروري للوجود/ الألم والتعذيب، تهميش الذات/ اشتغال الألم، الألم الملتبس: الوضع/ الألم ضد العذاب. ويرجع ذلك إلى اعتقاد لوبروتون في أطروحة أساسية، مفادها أن «الألم المطلوب أو المعيش من خلال السلوك ذي المخاطر أو حزّ الجسم هو من طبيعة مغايرة للألم الملمّ بالمريض مثلًا. فالرياضي الممارس للرياضات القصوى أو الرياضي في المسابقات أو خلال التدريبات هو امرأة أو رجل يقبل بالألم بوصفه مادة أولية لمنجزاته، فيسعى لترويضه وكبحه، ويعلم أنه إن لم «يهاجمه بكل قواه» فسيكون ذلك من باب التهور.


تجربة الألم

لوبروتون

٦٨
نفدت الكمية
منتجات قد تعجبك