main-logo

مكتبة مستقلة متخصصة في بيع كتب الأدب والفنون والفلسفة وعلم النفس وأدب الطفل.

توصيات كاف

تاريخ الشك

جينيفر هيكت

٨٠ ٩٦

في كتابها الضخم، الذي يتجاوز ثمانمائة صفحة، تتوغل المؤرخة والفيلسوفة الأمريكية (جينيفر مايكل هيكت)، بقارئها في (تاريخ الشك) -وهو عنوان الكتاب-، عبر (رحلة اشتكشافية بانورامية حول هذا التاريخ وما يدور حوله من مسائل شائكة ومعقدة تتضمن الإيمان واليقين والحقيقة والإنكار)، كما يذكر الناشر، (المركز القومي للترجمة)، وذلك وفق بنية زمنية تسلسلية، تبدأ (من بدايات التاريخ المدون)، وصولاً للتاريخ الحديث، باحثة الشك الديني (في أرجاء العالم كافة)، إذ (مثلما هو الإيمان، يتخذ الشك كثيرًا من الأشكال المتباينة، من شكوكية الأقدمين إلى التجريبية العلمية الحديثة ومن الشك بآلهة متعددة إلى الشك بإله واحد، وإلى شك يعيد بعث الإيمان ويحييه وشك هو كفر لا ريب فيه)، كما تقول (هيكت).

إن النظرة التي توليها (هيكت) لتاريخ الشك في هذا الكتاب، نظرة مختلفة عن كونه (ظلاً لتاريخ الإيمان)، إذ تره بوصفه قصة منفصلة، وذلك لما تشكله النظرة للشك بوصفه ظلا، من صوبة في معرفة (كيف عكست أساليب التشكك أنماطًا معينة للتغيير الاجتماعي).

تؤكد المؤلفة بأن قضايا الإيمان والشك، تنزع لاتخاذ مسالك شديدة التحيز، فنجد الملحدون، ينزعون (لاعتبار المؤمنين سذجا أو تابعين، أما المؤمنون فينزعون إلى اعتبار المحلدين أناس تركوا أنفسهم للألم واللاأخلاقية واللامعنى)، ومن هذا المنطلق، يجيء كتاب (تاريخ الشك)، سعيًا (لنفض الغبار عن هذه المسلكيات الحديثة)، أو هذه التراشقات المتبادلة، التي تبدو للوهلة الأولى، بأن كبار المؤمنين، وكبار الشكاك على طرفي نقيض، إلا أنهم يشبهون بعضهم بعضا أكثر مما يشبهون جمهور اللامبالين أو المستسلمين، كما تقول (هيكت)، معللة ذلك بأنهم (مدركون لحقيقة أننا نحيا بين واقعين متباعدين: فمن جانب، هناك عالم في أذهاننا، وهو عالم العقل والخطط والحب والغاية. ومن جانب آخر، هنالك عالم ما بعد حياتنا البشرية. ولأننا بشر فنحن نحيا في قطيعة مع المغزى، خلافا للكون).

تضع (هيكت) الشك في سبع فئات يندرج اثنان من أقدم أشكاله في إطار العلم (المادية والعقلانية)، وفي إطار مناهج لا تأليهية متسامية (غالبا أديان من دون آلهة)، أما الأصناف الثلاثة الأخرى، فتتبين من استعراض الشك القديم إذ حالما اختلط الناس، ظهرت نسبوية الكوزموبوليتانية (عالم تتعدد فيه الثقافات والمجالات، سواء على صعيد الكيانات الثقافية أو الأشخاص) كانت ثمرتها أنهم راحوا يشككون في تقاليدهم الخاصة بالإيمان، كما برزت حاجة سياسية للتسامح ولعلمانية عامة. وفي الوقت عينه، ظهر الرفض الأخلاقي للجور، وكذلك ظهرت فلسفات الحياة الهانئة التي طرحت نفسها بوصفها مرشدا لحياة من دون إيمان. أما الشكوكية الفلسفية، التي تستجوب قدرتنا على معرفة العالم كليا ، فقد بدأت مع التشكيك السقراطي. بيد أنها تواصلت فعليا بعد أن حقق قدامى اليونانيين حشدا من الفلسفات التي دفع تنوعها الشديد بعض الناس لرفضها جميعا. وآخر الفئات الشكية هو (شك المؤمن الغيور)، كما تسميه (هيكت)، منوهة أن كل هذه الفئات والتاريخ التي برزت فيها تتشابك على نحو مدهش.

تأريخ (هيكت) لبداية الشك المدون، إلى ما يعود لألفين وستمائة عام، وهذا ما يجعلها تؤكد بأن (الشك أقدم من معظم ضروب الإيمان)، إذ مثل الشك تاريخًا مدويًا في وضعه لقواعد للحياة الهانئة، وتواقًا للحقيقة بالمقدار عينه الذي تاق له الإيمان للحقيقة، وهذا ما توضحه المؤلفة خلال فصول كتابها العشرة، بدءًا من الفصول الأربعة الأولى التي تتتبع فيه المأثورات البطولية للشك في العالم القديم، الذي يشغله اليونانيون، والعبراويون، والشرقيون، وفلاسفة ومفكرو روما القديمة. وصولاً إلى الفصل الخامس حيث تتفحص المسيحية، والشك المسيحي، لتعرج من خلاله على العصور الوسطى، حيث جغرافيا البحر الأبيض المتوسط، وإشكال الشك اليهودي، والمسيحي، والإسلامي، في الفصل السادس. وصولا إلى الفترة التي استغرقتها عصور النهضة الأوروبية والإصلاح ومحاكم التفتيش، وعلى الجانب الآخر، الشك المتعلق بصعود الزان في شرق آسيا، والتقاء الأوروبيين بالالديانة الآسيوية غير التأليهية، في الفصل السابع، لتتخذه سلما يوصلنا للفصل الثامن، المتعلق بالفترة الممتدة من العام (1600) حتى (1800) ميلادية، حيث الثورة العلمية، والديمقراطية. ثم إلى القرن التاسع عشر، الذي يعنى به الفصل التاسع، وهو عصر ضج بشكوكه، وبرزت فيه شخوص ما يزال أثرها بارزًا في الفكر الإنساني، وفي واقعنا المعاصر، لتختم بالفصل العاشر، حيث تقيم القرن العشرين، وصولا لوقتنا الحاضر.

٨٠ ٩٦
إضافة للسلة
منتجات قد تعجبك