من أجواء كتاب الحداثة والإبهام نقرأ: "لقد وعدت الحداثة بالقضاء على الإبهام وتأسيس الوضوح التام والوصول إلى لحظة فردوسية ينتهى عندها الإبهام، فكيف حاولت الحداثة أن تفي بوعدها؟!"
يقول باومان إن جوهر الممارسة الحديثة، ومركز السياسة الحديثة، تواصل الفكر الحديث ومنبع الحياة الحديثة، هو السعى إلى استئصال الابهام بوضع تعريفات دقيقة وتصنيفات محددة وحدود فاصلة بين النظام و الفوضى.
ويوضح باومان أن الوجود يتصف بأنه حديث ما دام ينقسم إلى نظام وفوضى، والصراع من أجل النظام هو حرب الوضوح ضد الابهام، حرب الشفافية ضد الضبابية.
ويعرف الكاتب الابهام، بأنه هو إمكانية تصنيف موضوع أو حدث فى أكثر من فئة وهو بذلك خلل فى اللغة، وقصور فى وظيفة التسمية (وظيفة الفصل) المطلوبة من اللغة، ويبتدى الخلل فى عدم الارتياح البالغ الذى نشعر به عندما نعجز عن قراءة الموقف قراءة سليمة، وعن الفصل بين أفعال بديلة.
ويصيف، أننا نرى فى الابهام خللا بسبب القلق الذى يثيره والتردد الذى يترتب عليه، سواء ألقينا باللوم على اللغة لعدم دقتها أو على أنفسنا لاستعمالنا غير المناسب لها، ولكن الابهام ليس نتاجا لانحراف اللغة ولا الكلام، بل هو جانب طبيعى من الممارسة اللغوية، أنه يصدر عن إحدى الوظائف الأساسية للغة، ألا وهى التسمية والتصنيف، ويزداد الابهام كلما زاد اتقان تلك الوظيفة ومن ثم فان الابهام هو الأنا الأخرى للغة ورفيقها الدائم، بل وضعها الطبيعى .
زيجمونت باومان، عالم اجتماع بولندي، استقر في إنجلترا بعد ما تم طرده من بولندا، ونشر ما يقارب السبعة والخمسين كتاب ولديه أكثر من مائة مقال، وأغلب كتاباته كانت تحوي على مواضيع متشابهة مثل: العولمة، الحداثة وما بعد الحداثة.